الأحد 17 غشت 2025 06:32
مع كل طلقة بارود تتعالى في سماء وادي زم، ومع صهيل الخيول التي تشق ساحة العرض في انسجام بديع، يعيش زوار المهرجان الوطني للمدينة لحظات استثنائية تعيد إحياء ذاكرة جماعية ضاربة في عمق التاريخ.
فهذا الموعد الثقافي السنوي، الذي يعد من أعرق المهرجانات على الصعيد الوطني، يكرس مكانة الفروسية التقليدية “التبوريدة” كأحد أبرز التعابير التراثية التي يزخر بها إقليم خريبكة، والتي تختزل في طقوسها وأجوائها مزيجا من الرمزية والجمالية والتاريخ.
على جنبات الساحة، يتابع الجمهور بشغف استعدادات “السربة”. فرسان يرتدون الزي المغربي التقليدي، جلابيب وسلهام وعمامات ناصعة البياض، وسراويل فضفاضة، يتوشحون بالخناجر ويحملون بنادق تقليدية منقوشة بدقة، في مشهد يعكس أصالة الموروث وتشبث الأجيال بقيمه.
وبإشارة من “المقدم”، ينطلق الفرسان دفعة واحدة على صهوات خيول مزينة، تخترق الساحة بخطى متسارعة ومتناسقة، قبل أن تتوحد البنادق في لحظة فارقة تطلق خلالها طلقة نارية قوية تملأ الفضاء، وسط هتافات المتفرجين وتصفيقهم. إنها اللحظة التي تختزل جمال التناسق ودقة الأداء وروح الجماعة.
وقبيل كل انطلاقة، يقدم “المقدم” أو “العلام” استعراضا للفرسان يعرف بـ”الهدة” أو “التشويرة”، وهي تحية موجهة للجمهور، قبل العودة إلى نقطة البداية استعدادا لسباق آخر لا يقل إثارة، حيث يظل نجاح العرض رهينا بقدرة السربة على توحيد توقيت الطلقة.
ويستحضر هذا الطقس العريق، الذي دأبت قبائل وادي زم على تنظيمه منذ عقود، مكانة الخيل في التراث المحلي ودورها في إبراز المؤهلات الفلاحية والسياحية للمنطقة، لاسيما في مجال تربية الخيول العربية والبربرية، باعتبارها عنصرا أصيلا في تاريخ المدينة وهويتها الثقافية.
ويهدف المهرجان الوطني لوادي زم، من خلال هذه الأجواء المميزة، إلى تثمين الفروسية التقليدية باعتبارها تراثا لاماديا يشكل جزءا من الذاكرة الثقافية المغربية، وضمان استمراريتها عبر توريثها للأجيال الصاعدة، فضلا عن المساهمة في التعريف بالمؤهلات الاقتصادية والاجتماعية والسياحية التي يزخر بها الإقليم.
المصدر: هسبريس