دعا الدكتور عبد الحي السملالي، أستاذ الرياضيات بجامعة بوركون بفرنسا، المغرب إلى فك ارتباطه بالنموذج الفرنسي في مجالات الهندسة المعمارية والبنية التحتية، معتبرا أن الاعتماد التاريخي على فرنسا، رغم إسهامه في بناء الدولة الحديثة، بات اليوم يحتاج إلى مراجعة استراتيجية في ظل صعود الصين كقوة هندسية وتقنية عالمية.

وأشار السملالي، في مقال منشور على جريدة “العمق”، إلى أن العمارة الفرنسية ليست مجرد زخرفة، بل انعكاس لتحولات سياسية وثقافية عميقة، منذ العصور الرومانية مرورا بالعصور الوسطى وعصر النهضة وصولا إلى القرن التاسع عشر، الذي شهد ثورة الحديد والفولاذ، وتجسدت في معالم عالمية مثل برج إيفل وجسر غارابيت.

وأضاف الباحث المغربي المقيم بفرنسا أن هذا التاريخ المعماري العريق جعل فرنسا مرجعا عالميا في تعليم فنون البناء، وأسست لذلك أكاديميات مرموقة مثل École des BeauxArts وÉcole des Ponts ParisTech التي خرجت أجيالا من المهندسين ساهمت في بناء المغرب الحديث.

ورغم أن الاعتماد على النموذج الفرنسي أسهم في بناء الطرق والجسور والمرافق العامة منذ الاستقلال، فإن السملالي اعتبر أن البنية التحتية المغربية الحالية باتت اليوم تقليدية وتفتقر للابتكار والكفاءة التي تقدمها الصين.

ولفت المصدر ذاته إلى أن الاعتماد لم يكن تقنيا فقط، بل امتد إلى التعليم الهندسي حيث تعتمد الجامعات المغربية على مناهج فرنسية تقليدية، ما يحد من قدرة المهندسين على الابتكار ويجعلهم “مهندسين ورقيين”.

في المقابل، سلط الباحث الضوء على النموذج الصيني المتقدم في الهندسة، مشيرا إلى أن الصين تقود العالم اليوم في مشاريع البنية التحتية الضخمة، من جسور معلقة تمتد لعدة كيلومترات إلى ناطحات سحاب تُشيَّد في أيام قليلة، وشبكات قطارات فائقة السرعة هي الأكبر عالميا.

وأضاف أن الشركات الصينية، مثل CRCC وCSCEC، تتميز بالسرعة والكفاءة في تنفيذ المشاريع، كما أن الجامعات الصينية تدمج التعليم النظري مع التدريب العملي داخل الشركات، ما يجعل المهندس الصيني أكثر جاهزية لسوق العمل.

وأبرز السملالي أهمية دمج الذكاء الاصطناعي في المشاريع الهندسية الصينية، حيث يستخدم في تصميم الجسور والأنفاق عبر نماذج محاكاة متقدمة، وتحديد أفضل المواد، وتقليل التكاليف، وتسريع الإنجاز، إضافة إلى تعليم الطلبة تصميم نماذج رقمية وتحليل بيانات البناء والتفاعل مع روبوتات ذكية، ما يعكس فلسفة جديدة تقول إن المعرفة تُخلق لحظة بلحظة عبر الخوارزميات.

وقال في هذا الصدد: “المدرسة الهندسية المغربية المتأثرة بالنموذج الفرنسي، تركز على النظري أكثر من التطبيقي، وتُدرّس مناهج قديمة لا تواكب سرعة الابتكار العالمي. في المقابل، يعتمد النموذج الصيني على التجريب، والتكامل بين الجامعة والميدان، مما يجعل المهندس الصيني أكثر قدرة على التعامل مع تحديات العصر”.

وتابع أنه إذا أراد المغرب أن يواكب التحول، فعليه أن يعيد النظر في منظومته التعليمية، ويستفيد من التجربة الصينية في تكوين مهندسين قادرين على الابتكار، لا مجرد إعادة إنتاج ما تم تدريسه.

وحول البعد الفلسفي والتحرر من التبعية، أشار السملالي إلى رؤى مفكرين عالميين، مثل إدوارد سعيد الذي يوضح كيف يفرض الغرب هيمنته الثقافية على الشرق، وسمير أمين الذي يرى أن دول الجنوب تتطور وفق حاجات المركز، ويوهان غالتونغ الذي يربط غياب الديمقراطية بالتبعية البنيوية، مؤكدا أن التحول نحو الصين ليس مجرد تقني، بل إعادة بناء للبنية السياسية والاقتصادية بدفع إرادة داخلية.

واستدل الباحث بالإحصائيات، مشيرا إلى أن الصين تحتل المرتبة الثانية عالميا في الابتكار، بينما فرنسا في المرتبة 11، وأن استثمارات الصين في إفريقيا تجاوزت 60 مليار دولار مقابل تراجع الاستثمارات الفرنسية، فيما يدرس في المغرب أكثر من 40% من الطلبة بالخارج في فرنسا مقابل أقل من 5% في الصين، ما يعكس استمرار التبعية التعليمية.

ويرى السملالي بالقول أن السؤال اليوم ليس تقنيا، بل فلسفيا أيضا، وهو “هل نريد أن نكون فاعلين أم مفعولا بنا؟ هل نملك الشجاعة لإعادة إنتاج أنفسنا خارج النموذج الفرنسي وضمن نموذج مغربي حر وذكي ومتعدد الأبعاد؟”، مستدلا بمقولة ميشيل فوكو: “السلطة ليست فقط ما يُفرض علينا، بل ما نعيد إنتاجه بأنفسنا”.

المصدر: العمق المغربي

شاركها.