أمد/ يواجه قطاع غزة منذ سنوات، وبشكل متصاعد خلال الحرب الأخيرة، أوضاعاً إنسانية كارثية تتجسد في انهيار المنظومة الصحية، تدمير واسع للبنية التحتية، نقص حاد في الغذاء والمياه والدواء، ونزوح مئات الآلاف من السكان. هذه المؤشرات مجتمعة تستوفي المعايير الدولية لإعلان أي منطقة “منكوبة”. لكن في حالة غزة، يطرح السؤال نفسه: كيف يمكن اتخاذ هذا الإعلان وتنفيذه رغم رفض إسرائيل باعتبارها القوة القائمة بالاحتلال؟

الأساس القانوني لإعلان منطقة منكوبة

يستند إعلان أي منطقة منكوبة إلى عدة أطر قانونية دولية. أولها القانون الدولي الإنساني، الذي ينظم أوضاع الأراضي المحتلة في زمن الحرب. قطاع غزة يُعتبر أرضاً محتلة وفق قرارات الأمم المتحدة ومحكمة العدل الدولية، ما يعني أن إسرائيل، كقوة احتلال، ملزمة بضمان حياة المدنيين وحمايتهم. وتنص اتفاقية جنيف الرابعة، في المادتين 55 و59، على ضرورة تأمين الغذاء والدواء للسكان، والسماح بإدخال الإغاثة الدولية إذا قصّرت القوة المحتلة أو منعتها. كما تحظر المادة 33 من الاتفاقية العقاب الجماعي، ما يجعل الحصار الشامل ومنع المساعدات خرقاً صريحًا للقانون.

إلى جانب ذلك، تمنح قرارات الأمم المتحدة إطاراً إضافياً، إذ يمكن للجمعية العامة إصدار توصيات أو قرارات بإعلان منطقة منكوبة حتى في حال فشل مجلس الأمن بسبب استخدام حق النقض (الفيتو). هذا ما حصل في حالات تاريخية مثل البوسنة عام 1993، وسوريا عام 2014، حيث أُدخلت المساعدات عبر الحدود دون موافقة الحكومة أو الجهة المسيطرة.

الجهات القادرة على إعلان غزة منطقة منكوبة

هناك عدة مستويات يمكن من خلالها إعلان غزة منطقة منكوبة. على المستوى الوطني، تستطيع السلطة الوطنية الفلسطينية “رئيس السلطة الوطنية أو رئيس مجلس الوزراء” أو أي هيئة شرعية تمثل الشعب الفلسطيني إصدار إعلان رسمي وطلب التدخل الدولي. هذا الإعلان يمنح الأساس السياسي والقانوني لرفع الأمر إلى الأمم المتحدة والمنظمات الدولية.

على المستوى الدولي، يمكن للجمعية العامة للأمم المتحدة أن تتبنى قراراً بهذا الشأن، مستندة إلى قرار “الاتحاد من أجل السلام” رقم 377 لعام 1950، الذي يتيح للجمعية تجاوز مجلس الأمن في حال فشله بالتحرك بسبب الفيتو. كذلك يستطيع الأمين العام للأمم المتحدة إصدار نداء إنساني عالمي، عبر مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية (OCHA)، لتعبئة الموارد الدولية.

أما المنظمات الإنسانية الكبرى مثل الصليب الأحمر ومنظمة الصحة العالمية، فلها دور مؤثر في توصيف الوضع ميدانياً ككارثة إنسانية، ما يهيئ الرأي العام الدولي ويدعم التحرك الرسمي.

آليات التنفيذ رغم رفض الاحتلال

رفض إسرائيل لإعلان غزة منطقة منكوبة أو السماح بإدخال المساعدات لا يلغي إمكانية التنفيذ. هناك مسار قانوني وعملي يمكن اتباعه:

إعلان وطني فلسطيني من السلطة أو أي ممثل شرعي للشعب يعلن رسمياً أن غزة منطقة منكوبة ويطلب التدخل العاجل.

طلب جلسة خاصة للجمعية العامة للأمم المتحدة استنادًا إلى قرار “الاتحاد من أجل السلام” لتجاوز شلل مجلس الأمن.

إعداد تقرير ميداني شامل من قبل الأمم المتحدة والمنظمات الإنسانية، يوثق حجم الكارثة بالأرقام والصور والشهادات” وتم إعداد عشرات التقارير من قبل منظمات الأمم المتحدة”.

إصدار قرار دولي أو إقليمي بإعلان غزة منطقة منكوبة، ما يفتح الباب لإدخال المساعدات عبر أي معابر أو من البحر تحت إشراف أممي.

تطبيق مبدأ “التدخل الإنساني”، وهو مبدأ قانوني يجيز إدخال المساعدات دون إذن القوة المسيطرة إذا كان المدنيون معرضين لخطر جسيم. وقد استُخدم هذا المبدأ في كوسوفو عام 1999، وفي الصومال عام 1992، وفي سوريا عام 2014 حيث دخلت المساعدات عبر تركيا دون إذن دمشق.

إعلان غزة منطقة منكوبة ستكون له تداعيات مباشرة، أهمها إلزام المجتمع الدولي بإرسال المساعدات فورًا، وفتح ممرات إنسانية آمنة بإشراف دولي، وتقليص قدرة إسرائيل على منع الإغاثة أو فرض شروطها. كما يمنح هذا الإعلان سندًا قويًا في المحاكم الدولية لإثبات أن منع المساعدات يمثل جريمة حرب أو جريمة ضد الإنسانية. وهناك العديد من السوابق الدولية التي تؤكد أن إعلان منطقة ما منكوبة يمكن أن يتم وينفذ رغم رفض السلطة القائمة:

البوسنة (1993): تدخلت الأمم المتحدة عسكريًا وإنسانيًا لإيصال المساعدات رغم تعنت القوات الصربية.

الصومال (1992): نفذ المجتمع الدولي عملية إنسانية واسعة النطاق دون موافقة كل الأطراف المسلحة.—

سوريا (2014): أُدخلت المساعدات عبر الحدود التركية إلى مناطق خارج سيطرة الحكومة السورية بقرار من مجلس الأمن.

ختاماً فإن إعلان قطاع غزة منطقة منكوبة ليس مجرد خطوة رمزية، بل هو إجراء قانوني وإنساني يمكن أن يغيّر قواعد التعامل الدولي مع الكارثة الجارية هناك. الإطار القانوني متوفر، والسوابق الدولية قائمة، والظروف الميدانية في غزة تمثل جميع معايير الكارثة الإنسانية. المطلوب اليوم إرادة سياسية فلسطينية وعربية ودولية لانتزاع هذا الإعلان، واستخدامه كأداة ضغط قانونية وإنسانية لوقف الانتهاكات وضمان حق مليوني إنسان في الحياة الكريمة.

شاركها.