اعتبر أستاذ القانون العام والعلوم السياسية بجامعة محمد الخامس بالرباط، عبد الحافظ  أدمينو، أن  عدم تفعيل اختصاصات الجهات ومحدودية الموارد المالية يعرقل العدالة المجالية والتنموية.

وأوضح أدمينو، خلال حلوله ضيفا على برنامج “نبض العمق”، أن القانون التنظيمي للجهات كرّس بعدًا سياسيًا مهمًا من خلال تطوير الممارسة الديمقراطية وخاصة عبر اعتماد نمط الاقتراع المباشر، الذي منح الجهات شرعية انتخابية قوية، ملفتا أن هذه الشرعية تُعد أساسًا لتمثيل الساكنة والترافع باسمها، وتعكس تطورًا ملموسًا في البناء المؤسساتي والجهوي بالمغرب، غير أن هناك إشكالًا حقيقيًا، وفق تعبيره، في تفعيل الاختصاصات والمهام المسندة للجهات، وهو إشكال يرتبط بشكل مباشر بمحدودية الموارد المالية، فرغم أن النصوص القانونية منحت الجهات اختصاصات واسعة، إلا أن القدرة على تفعيلها تظل رهينة بتمويل فعّال ومستدام، حسب الأستاذ الجامعي ذاته.

في السياق ذاته، انتقد أدمينو كون أن “قوانين المالية تظهر أن الاستثمار العمومي على المستوى الوطني لا يزال في معظمه يُنفذ من طرف الدولة والحكومة والمقاولات العمومية، بنسبة تتجاوز 80 في المائة، بينما يبقى نصيب الجهات ضعيفًا جدا وهو ما يعكس خللًا في التوزيع المالي لا يساعد على تحقيق العدالة المجالية المنشودة، وفق تعبيره، داعيا لتبني مقاربة جديدة تقوم على تعبئة موارد إضافية، وتوسيع هوامش التمويل للجهات، حتى تتمكن من القيام بأدوارها وتفعيل صلاحياتها كما ينص عليها القانون.

أما بخصوص العبارة التي وردت في الخطاب الملكي”لا مكان اليوم ولا غدًا لمغرب يسير بسرعتين”، فأكد أستاذ العلوم السياسية أنها “تعبير صريح عن مبدأ دستوري جوهري جاء في دستور 2011، وهو مبدأ الإنصاف في تغطية التراب الوطني بالمرافق العمومية، فالتنمية المتوازنة، التي تضمن لجميع المناطق نفس الحظوظ في الولوج إلى الخدمات والبنيات الأساسية، هي ما سيمكن المغرب من التقدم بسرعة واحدة، وليس بسرعتين متباينتين تعمّقان الفوارق، وفق تعبيره.

وشدد على أن “تحقيق هذا الإنصاف يتطلب مجهودًا كبيرًا من مختلف الفاعلين مشيرا إلى تجلياته تكمن في رهانات كبرى، مثل تنظيم كأس العالم 2030، الذي يفرض بدوره تسريع وثيرة العدالة المجالية، وتحقيق التوازن في توزيع الاستثمارات والتجهيزات، حتى تكون مختلف الجهات قادرة على الاندماج في هذا الحدث العالمي.

وبخصوص إشارة الخطاب الملكي إلى عدم استفادة جميع المغاربة من عائدات التنمية، لفت أن هذا الأمر “يعكس الحاجة إلى بذل مجهود إضافي في تحقيق العدالة الاجتماعية، وضمان تقاسم منصف لثمار النمو بين مختلف فئات المجتمع”، مبرزا “وجود مجال آخر لا يقل أهمية عن العدالة الاجتماعية ويشهد بدوره نوعًا من الأزمة، وهو العدالة المجالية، فالتقارير المالية السنوية، وفق تعبيره، تُظهر بوضوح أن ثلاث جهات فقط تساهم بأكثر من 50 في المائة من الناتج الداخلي الخام، من أصل 12 جهة بالمملكة وهو ما يعكس حجم التفاوت الجهوي في المساهمة في الاقتصاد الوطني، وفق تعبيره.

وشدد على أن “العدالة المجالية لا تقل أهمية عن العدالة الاجتماعية،ومن هنا تأتي أهمية الرؤية الملكية، وفق تعبيره، التي أطلقت جيلًا جديدًا من مشاريع التنمية الاجتماعية، وعلى رأسها مشروع الحماية الاجتماعية كركيزة للعدالة الاجتماعية، فضلا أن المجالات الترابية اليوم أصبحت بدورها بحاجة إلى مقاربة جديدة للتنمية الترابية، تضمن التوزيع العادل للفرص والموارد بين مختلف الجهات، وتُعزز من اندماجها في الدينامية الوطنية.

وقال بهذا الخصوص: ” الأمر لا يقتصر على التفاوت بين الجهات، بل يمتد إلى تفاوتات داخلية بين الجماعات والأقاليم داخل نفس الجهة، فعلى سبيل المثال، جهات مثل الرباط والدار البيضاء وطنجة استفادت بشكل كبير من مشاريع البنية التحتية ومن تدفق الاستثمارات، وهو ما انعكس إيجابًا على مستوى دخل الأفراد، وعلى ظروف العيش، وعلى الولوج إلى الخدمات الأساسية.”.

في هذا السياق، أكد الأستاذ الجامعي أهمية صدور قانون الإطار المتعلق بالاستثمار، الذي جعل من بين أهدافه الرئيسية تشجيع الاستثمارات على المستوى الترابي، وتوجيهها نحو مختلف مناطق المملكة، من أجل تقليص الفوارق المجالية، وتحقيق تنمية أكثر توازنًا وشمولًا، ملفتا أن “المنح التي تعطى على المستوى الترابي للمستثمرين الذين يختارون التوجه إلى المناطق النائية تُعد خطوة بالغة الأهمية في تشجيع الاستثمار المجالي، داعيا لعدم إغفال أن القانون التنظيمي 111 المتعلق بالجهات الذي جاء بمجموعة من الآليات الداعمة لهذا التوجه، من بينها آليتا صندوق التضامن بين الجهات وصندوق التأهيل الاجتماعي.

وحسب أستاذ العلوم السياسية، فإن دور هذين الصندوقين يتمثل في دعم الجهات التي تُظهر مؤشرات منخفضة في مجال التنمية البشرية، من خلال تمكينها من الوسائل الضرورية لتوفير الحد الأدنى من البنية التحتية والخدمات الأساسية. ذلك لأن الاستثمار لا يمكن أن يتحقق في جهة تفتقر إلى الطرق، أو إلى الولوج إلى الموانئ والمطارات، أو التي تعاني من ضعف في التغطية الرقمية وخدمات الإنترنت، وغيرها من المقومات الأساسية لجذب المستثمرين.

المصدر: العمق المغربي

شاركها.