في زمنٍ تتقاطع فيه التكنولوجيا مع كل أبعاد الحياة البشرية، لم يكن الإبداع بمنأى عن هذا التحول. فقد غيّر الذكاء الاصطناعي التوليدي ملامح الفن، وفتح آفاقًا جديدة للموسيقى، وأعاد تعريف مفهوم الفيديو والإنتاج المرئي. وبينما يظن البعض أن الإبداع ملك حصري للبشر، يثبت الواقع الجديد أن الآلة لم تعد مجرد أداة، بل أصبحت شريكًا فنيًا حقيقيًا.

ويقول رائد عبد العزيز رمضان، المدير العام لشركة ويكريت للحلول المتقدمة، وأحد أبرز المفكرين في مجال الذكاء الاصطناعي في المنطقة:

“نحن نعيش لحظة تاريخية يتحول فيها الإبداع من تعبير ذاتي فردي إلى عملية مشتركة بين الإنسان والآلة، حيث تُنتج الفكرة البشرية ويتم تجسيدها بقدرات الذكاء الاصطناعي المتطورة.”

من القلم والريشة إلى الخوارزميات والتوليد الآني

لقد مضت قرون طويلة كانت فيها أدوات الإبداع محدودة: القلم، الريشة، الصوت، والكاميرا. أما اليوم، فقد انضمت الخوارزميات إلى قائمة أدوات الفن، وأصبحت نماذج الذكاء الاصطناعي التوليدي مثل Midjourney وDALL·E وRunway وSoundraw وSuno قادرة على إنتاج صور ومقاطع فيديو ومقطوعات موسيقية بضغطة زر، بناءً على أمر نصي فقط.

ويؤكد رمضان أن هذا التحول لا يُلغي دور الإنسان، بل يعزّزه:

“ما تفعله هذه الأدوات هو تسريع تنفيذ الفكرة، وتوسيع نطاق التخيل، وتمكين غير المحترفين من التعبير الفني باحتراف.”

الفن المرئي: حين تُرسم الأحلام بخوارزميات

في مجال الرسم والتصوير الرقمي، أصبح بإمكان أي شخص أن يصف فكرة نصية (Prompt) فيحصل على لوحة فنية متكاملة خلال ثوانٍ. أدوات مثل DALL·E وMidjourney وLeonardo AI تتيح توليد صور فائقة الجودة باستخدام نماذج مدربة على ملايين الأعمال الفنية.

تُستخدم هذه الأدوات اليوم في:

تصميم أغلفة الكتب والألبومات

إعلانات تسويقية مذهلة بصريًا

مفاهيم تصميمية أولية لفرق التصميم

حتى في عروض NFT وأعمال الفن الرقمي القابل للبيع

ويعلق رمضان:

“لم يعد الفنان رهين موهبته اليدوية فقط، بل أصبحت قدرته على التعبير النصي هي بوابة الفن الجديد.”

الموسيقى: الذكاء الاصطناعي يعزف بنغمة المستقبل

ماذا لو أمكنك تأليف مقطوعة موسيقية أصلية بمجرد كتابة: “لحن هادئ مستوحى من غروب الشمس على شاطئ البحر في يوم خريفي”؟ هذا أصبح ممكنًا مع أدوات مثل Suno AI وSoundraw وAiva التي تولّد موسيقى أصلية دون الحاجة لأي خلفية موسيقية.

تُستخدم هذه التكنولوجيا اليوم في:

الإعلانات التجارية

مقاطع الفيديو القصيرة

الألعاب الإلكترونية

البودكاست والمحتوى الرقمي

مشروعات الطلبة والمبدعين الأفراد

ويقول رمضان:

“الموسيقى التي كانت حكرًا على المتخصصين أصبحت الآن مساحة مفتوحة للتجريب، والتعبير، والتأثير، بفضل تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي.”

الفيديو: من الإنتاج السينمائي المكلف إلى الإنشاء الذكي

الذكاء الاصطناعي التوليدي لم يقف عند الصور والصوت، بل تجاوزهما إلى الفيديو، حيث أصبح بالإمكان توليد مشاهد مرئية كاملة باستخدام أدوات مثل Runway ML وPika Labs، دون الحاجة لكاميرا أو ممثلين أو حتى استوديو.

اليوم، يمكن لأي مخرج محتوى أو منشئ فيديو:

توليد مقاطع فيديو قصيرة لحملات تسويقية

تركيب مشاهد متحركة بناء على سيناريو مكتوب

دمج أصوات، مؤثرات، حركات، وحتى ترجمة تلقائية

ويضيف رمضان:

“الإنتاج المرئي لم يعد يتطلب ميزانيات ضخمة. يمكن لفريق صغير بأدوات AI أن يصنع فيلمًا تسويقيًا أو إعلانًا احترافيًا خلال يوم عمل واحد.”

هل الإبداع في خطر؟ أم في ازدهار غير مسبوق؟

يطرح البعض تساؤلات حول ما إذا كان هذا التحول يعني نهاية الإبداع البشري. لكن رائد رمضان يرى أن هذا العصر هو بداية لازدهار جديد للإبداع، لا نهايته.

“الذكاء الاصطناعي لا يخلق فكرة من عدم، بل يحتاج إلى إنسان يُلهمه. الفرق هو أن زمن الإبداع البطيء قد ولّى، والآن نحن نعيش عصر الفكرة السريعة، والتنفيذ الفوري، والتعديل المتكرر دون تكلفة.”

التحديات الأخلاقية والقانونية

رغم الفرص الكبيرة، فإن هذا التحول يحمل في طيّاته تحديات معقدة:

حقوق الملكية الفكرية: من يمتلك العمل الذي يُنتج بواسطة الذكاء الاصطناعي؟

التمييز الثقافي: هل يمكن للذكاء الاصطناعي فهم السياق الثقافي العربي بشكل صحيح؟

الاعتماد المفرط: هل سيضعف الذكاء الاصطناعي من مهارات الإنسان الإبداعية؟

ويؤكد رمضان أن الحل يكمن في وضع أطر تنظيمية وتشريعية ذكية تضمن الاستخدام المسؤول، وتوازن بين التمكين والرقابة.

ويكريت للحلول المتقدمة: ريادة عربية في استخدام الذكاء الاصطناعي الإبداعي

تعمل شركة ويكريت للحلول المتقدمة، بقيادة رمضان، على دمج أدوات الذكاء الاصطناعي التوليدي في خدماتها الإبداعية، مثل:

إنتاج المحتوى البصري للعلامات التجارية

إنشاء حملات تسويقية آلية موجهة للجمهور المستهدف

دعم صُنّاع المحتوى بأدوات ذكاء مخصصة

بناء منصات إبداعية قائمة على المحادثة مع أدوات AI

ويقول رمضان:

“هدفنا ليس استبدال المبدع، بل تمكينه. نعطيه أدوات، ونمنحه وقتًا، ونوسع خياله.”

خارطة طريق للإبداع الحديث

يرى رمضان أن الدخول في هذا العالم الجديد يتطلب:

فهم أساسيات الذكاء الاصطناعي التوليدي

تجربة الأدوات المتوفرة دون خوف

تعلّم فن صياغة الأوامر النصية الإبداعية (Creative Prompting)

دمج التكنولوجيا في عملية الإبداع اليومية

الانضمام إلى المجتمعات الرقمية للمبدعين الجدد

خاتمة: الإبداع ليس ما تملكه… بل ما تولّده

في ختام رؤيته، يقول رائد عبد العزيز رمضان:

“الإبداع لم يعد حكرًا على القلة. الذكاء الاصطناعي أعطى الجميع الفرصة ليُبدع. الفكرة، الآن، ليست في امتلاك موهبة نادرة، بل في القدرة على تحويل الخيال إلى واقع بأدوات ذكية ومفتوحة للجميع.”

 

شاركها.