قال الخبير في قضية الصحراء والشؤون المغاربية، أحمد نورالدين، إن اعتراف حزب “أومكونتو وي سيزوي” بسيادة المغرب على الصحراء  اختراق سياسي ودبلوماسي كبير في هذا البلد الذي يعد الداعم الرئيسي الثاني للانفصاليين بعد الجزائر.

واعتبر جاكوب زوما، زعيم حزب “أومكونتو وي سيزوي” (MK)، في تصريح للصحافة عقب مباحثاته مع وزير الشؤون الخارجية والتعاون الإفريقي والمغاربة المقيمين بالخارج، ناصر بوريطة، أول أمس الثلاثاء، أن مقترح الحكم الذاتي المغربي “سيتيح حكامة محلية ملموسة من قبل ساكنة منطقة الصحراء، مع ضمان سيادة المغرب على الصحراء”.

وأضاف الرئيس السابق لجنوب إفريقيا أن حزبه، “أومكونتو وي سيزوي”، “يعترف بالسياق التاريخي والقانوني الذي يعزز مطالبة المغرب بالصحراء”، و”يعتبر أن جهود المغرب لاستعادة وحدته الترابية الكاملة تتماشى مع استمرارية التزام حزب (أومكونتو وي سيزوي) بالحفاظ على سيادة ووحدة الدول الإفريقية”.

وأكد نورالدين في حوار مع جريدة العمق أن لهذا الموقف تأثيرا محتملا وقويا على الدول الإفريقية الأخرى. فموقف شخصية بحجم جاكوب زوما الذي يربط اعترافه بمغربية الصحراء بالدعم التاريخي الذي قدمه المغرب لمانديلا نفسه بالسلاح والمال، سيكون له صدى واسع في الأوساط السياسية الإفريقية، خاصة بين الدول القليلة التي ما زالت تعترف بالكيان الانفصالي.

ويضيف الخبير ذاته أن الرسالة الأهم في موقف جاكوب زوما الموجهة للدول الإفريقية هي أن المغرب يقدم نموذجا ملموسا للتعاون والتنمية في القارة وليس مجرد شعارات. فالمغرب، بصفته المستثمر الإفريقي الأول في غرب القارة، ورائداً في مجال الهجرة، وأكبر مساهم في بعثات السلام، ورائداً في تحقيق الأمن الغذائي، يقدم أمثلة عملية على تحقيق الحلم الإفريقي. 

وفيما يلي نص الحوار كاملا

أعلن حزب ‘أومكونتو وي سيزوي’ الجنوب إفريقي دعمه لمقترح الحكم الذاتي المغربي، كيف يمكن قراءة هذا الموقف داخل سياق التحولات الجيوسياسية في القارة الإفريقية؟

في نظري، اعتراف حزب “اومكونتو وي سيزوي” بسيادة المغرب على أقاليمه الجنوبية في الصحراء، يستمد قوته من عدة زوايا: الأولى أن زعيم هذا الحزب السيد جاكوب زوما كان رئيسا لجنوب إفريقيا، وهذا يعني اختراقا سياسيا ودبلوماسيا كبيرا لهذا البلد الذي يعتبر ثاني مساند للأطروحة الانفصالية بعد الجزائر.
أما الزاوية الثانية فهي مرتبطة بالوضع الاعتباري لنفس الشخص بوصفه احد الزعماء التاريخيين المؤسسين للمؤتمر الوطني الإفريقي الذي قاد التحرر من الأبارتايد في جنوب افريقيا، وهذا له رصيد رمزي كبير من شأنه قلب الموازين في الأوساط السياسية التي لازالت تحت تأثير البروبكاندا الجزائرية، في بلده وفي إفريقيا عموما.
وبخصوص الزاوية الثالثة فتتعلق بالوثيقة الرسمية الصادرة عن هذا الحزب، والتي تربط دعمه لموقف المغرب، بمرجعيات وأهداف حزب جاكوب زوما في الدفاع عن سيادة الدول الافريقية ووحدة اراضيها من جهة، وفي تحقيق السلم والتنمية والاندماج الافريقي، من جهة ثانية. وهذا يرفع من قيمة قرار الحزب الجنوبافريقي إلى موقف مبدئي يتعلق بتصور الحزب لمستقبل القارة وازدهارها الذي لا يمكن رهنه بأطروحات لا تستند إلى أي مرجعية تاريخية غير مرجعية الاستعمار الأوروبي الذي خلق هذه الخطوط الوهمية الفاصلة بين اقاليم تنتمي لنفس البلد الذي هو المغرب.

هل لهذا القرار تأثير محتمل على مواقف دول إفريقية؟

أكيد أن موقف الرئيس السابق لجنوب افريقيا، ورفيق مانديلا في الكفاح، ومؤسس الجناح المسلح للمؤتمر الوطني الافريقي ضد نظام الميز العنصري، حين يربط اعترافه بمغربية الصحراء بالمواقف التاريخية للمغرب كأول بلد قدم المال والسلاح لمانديلا بشهادة مانديلا نفسه وهي موثقة بالصوت والصورة على الشبكة العنكبوتية، أكيد أن هذا الموقف ستكون له أصداء في الأوساط السياسية الإفريقية خاصة فيما تبقى من الدول الإفريقية التي لازالت تعترف بالكيان الانفصالي في تندوف، وعددها لا يتجاوز العشرة من أصل أربعة وخمسين دولة. والأكيد أن هذا الموقف سيفتح عيون الأحزاب السياسية والهيئات الدبلوماسية في تلك البلدان التي لازالت تحت تخدير التضليل الجزائري الممزوج برائحة البترول والغاز.

وأظن أن ربط وثيقة حزب جاكوب زوما اعترافها بمغربية الصحراء، بتصور الحزب لمستقبل القارة وتنميتها وازدهارها، هو في حد ذاته رسالة مشفرة لتلك الدول الإفريقية، بأن المشروع الانفصالي الذي تقوده الجزائر يسير في الاتجاه المعاكس لأجندة 2063 الإفريقية التي تدعو إلى إزالة الحدود الجمركية عبر أكبر منطقة عالمية للتبادل الحر في افريقيا، وتدعو إلى بناء السلم وإسكات بؤر النزاعات، وتدعو إلى التكامل الاقتصادي من أجل تحقيق الازدهار للمواطن الافريقي. وبمفهوم المخالفة فالجزائر هي التي تعيق الوحدة الإفريقية، وتدفع نحو الحروب، وتعرقل الازدهار الاقتصادي للقارة السمراء.

وأظن أن جاكوب زوما في موقع يسمح له بالحكم بالمنطق والحكمة والموضوعية اللازمة على النظام العسكري الجزائري، فهو عرف الجزائر عن قرب، لذلك ستكون شهادته مزلزلة وضربته قاصمة. وكما يقول المثل المغربي “ما تضرب حتى تقرب، وما تصحب حتى تجرب “، جاكوب زوما جرب الجزائر فوجدها قوقعة فارغة، ولا يمكنها أن تعطي لإفريقيا غير تجاربها الفاشلة في اقتصاد الريع المنهار وفي سياستها العدوانية تجاه جيرانها دون استثناء، وأوضاعها الاجتماعية البئيسة والمحتقنة، وديمقراطيتها العسكرية، وقمعها للحريات الأساسية واعتقالها للمثقفين من قامة بوعلام صنصال بسبب تعبيره عن رأي علمي تاريخي، واعتدائها على المهاجرين الأفارقة واحتقارهم وطردهم في ظروف غير إنسانية عبر الحدود مع النيجر.

بمعنى آخر الجزائر لا تقدم شيئا للقارة الإفريقية غير تأجيج النزاع مع جيرانها الذي قد يتطور إلى حرب إقليمية تزيد من إضعاف القارة الإفريقية، والجزائر بتغذيتها للصراع مع المغرب تعرقل إخراج منطقة التبادل الحر في إفريقيا، والجزائر باحتضانها للمشروع الانفصالي تنفخ الروح في كل النزعات الانفصالية والتي لا تخلو منها دولة إفريقية، بما فيها جنوب إفريقيا.

لهذه الأسباب كلها وأخرى سيكون لموقف جاكوب زوما وحزبه الجديد أثر ووقع على ما تبقى من الدول الإفريقية الداعمة للمشروع الانفصالي الذي ترعاه الجزائر. ولكن بشرط أن تقوم الدبلوماسية المغربية والأحزاب المغربية، كل في مجال اختصاصه، بالتعريف بهذا الموقف الجديد لحزب جاكوب زوما، بطريقة حكيمة وغير فولكلورية، تقوم على زيارات واستقبال وفود، وتقديم مرافعات وتوزيع وثائق تعزز الموقف بما فيها وثيقة حزب “اومكونتو وي سيزوي”، مرفوقة بمذكرة وثائق مغربية تؤكد مغربية الصحراء، وتؤكد ماذكرته أعلاه من التهديدات والمخاطر التي تمثلها السياسة الجزائرية على القارة الإفريقية كلها.

 هل يعيد هذا الاعتراف تشكيل التوازنات داخل الاتحاد الإفريقي؟

لاشك أن رسالة جاكوب زوما للدول الإفريقية هي أن المغرب كأول مستثمر إفريقي في غرب القارة، يقدم النموذج بالملموس وليس الشعارات للتعاون داخل القارة. والمغرب بوصفه رائدا إفريقيا في الهجرة، حسب الاتحاد الإفريقي، يعطي النموذج للاندماج الإفريقي، والمغرب كأكبر مساهم في بعثات السلام داخل القارة، يعطي النموذج في بناء السلم في القارة، والمغرب كرئيس مشترك في التحالف الدولي ضد الإرهاب، يعطي النموذج لدعم الاستقرار القاري، والمغرب كأكبر مستثمر في عشر دول إفريقية لإنتاج الأسمدة الفلاحية، يعطي النموذج في تحقيق الأمن الغذائي داخل القارة، والمغرب كأول بلد إفريقي يغطي نصف القارة بالبنوك يعطي النموذج للاندماج المالي والنقدي في أفق بناء عملة افريقية موحدة، او على الاقل مؤسسة إفريقية للنقد.. والقائمة طويلة فيما يقدمه المغرب عمليا وليس،بالشعارات لتحقيق الحلم الافريقي.

هذه هي الرسالة الأهم في موقف جاكوب زوما وعلى الدبلوماسية المغربية والأحزاب المغربية أن تشن حملة واسعة النطاق داخل القارة من أجل استئصال السرطان الجزائري ومحاصرته وعزله بشكل لا رجعة فيه، وطرد الكيان الوهمي من الاتحاد الإفريقي. وهو أمر في متناول اليد.

المصدر: العمق المغربي

شاركها.