مع حلول فصل الصيف وارتفاع درجات الحرارة، تعود من جديد فصول مأساوية لتطبع عطلة العديد من الأسر المغربية بسبب حالات الغرق المميتة التي تتكرر في شواطئ المملكة، خاصة في الأماكن غير المحروسة أو الممنوع فيها السباحة. هذا الوضع يعيد إلى الواجهة إشكالية السلامة البحرية، والجهود المطلوبة لضمان عطلة آمنة للمصطافين، في ظل محدودية الموارد وغياب الانضباط الفردي.
ولقي أربعة أفراد من أسرة واحدة الثلاثاء مصرعهم غرقا في منطقة غير محروسة غير بعيد عن شاطئ سيدي بونعايم بجماعة هشتوكة في إقليم الجديدة، في ظروف شكلت موضوع أبحاث قضائية تمهيدية من قبل عناصر الدرك الملكي.
إلهام بلفليحي، الكاتبة العامة للشبكة المغربية للتحالف المدني للشباب، أعربت عن أسفها لتكرار هذه الحوادث، معتبرة أن الأمر يستدعي تحركا جماعيا.
وأكدت بلفليحي، ضمن تصريح لهسبريس، أن الرسالة الأساسية التي ينبغي توجيهها إلى المواطنات والمواطنين هي الالتزام بالسباحة في الشواطئ المسموح بها ذلك فقط، قائلة: “هناك شواطئ محروسة تضمن سلامتهم وتمثل فضاء مناسبا للاستمتاع في ظل توفر الضمانات الأساسية لحماية أرواحهم”.
وشددت الكاتبة العامة للشبكة المغربية للتحالف المدني للشباب على أن التحذيرات بشأن الشواطئ الممنوع فيها السباحة تكون غالبا واضحة، سواء عبر إشارات أو لافتات، ومع ذلك يصر البعض على تجاهلها، مما يعرض حياتهم وحياة الآخرين للخطر.
واعتبرت المتحدثة أن المسؤولية لا تقع فقط على عاتق الأفراد، بل تشمل أيضا السلطات المحلية والجماعات الترابية، داعية إلى تعبئة مجتمعية حقيقية تتيح توفير فضاءات سباحة آمنة، وتشوير المناطق الخطرة، ورفع الرايات التي تُظهر حالة البحر.
كما دعت إلى تعزيز حضور المنقذين في الشواطئ المحروسة، ووضع علامات واضحة في الشواطئ الممنوعة، مع توفير عناصر من السلطات العمومية للردع، معتبرة أن التوعية وحدها لم تعد كافية، ولا بد من اعتماد منهجية زجرية صارمة.
وذكّرت بلفحيلي بأهمية مواكبة الإعلام في الحملة التحسيسية، من خلال عرض حالات الغرق المخيفة لتوعية المواطنين بالواقع الحقيقي، إلى جانب إرساء ترسانة قانونية تُمكّن من معاقبة كل من يخرق القوانين؛ لأن “الحق في الحياة لا يتعلق فقط بالفرد، بل بالمجتمع ككل”، على حد تعبيرها.
في السياق ذاته، حذّرت نادية احمايتي، ناشطة في المجال البيئي، من الاكتظاظ الكبير الذي تشهده بعض الشواطئ، والذي يجعل من الصعب ضبط الوضع.
وقالت احمايتي ضمن تصريح لهسبريس: “هناك تركيز كبير على شواطئ معينة، وغالبا ما تكون غير صالحة للسباحة، رغم وجود لافتات تحذيرية واضحة. ومع ذلك، يرتادها المواطنون بأعداد ضخمة، ما يشكّل ضغطا كبيرا على الشرطة والسلطات المحلية التي تُفاجأ بحجم الحشود في وقت تكون فيه قدراتها محدودة”.
وأضافت الناشطة البيئية ذاتها أن بعض العائلات تتحمل جزءا من المسؤولية؛ لأنها تترك أطفالها يسبحون في أماكن خطرة بدعوى أنها تبدو هادئة، في حين أن الواقع عكس ذلك. واعتبرت أن تنظيم الشواطئ مسؤولية جماعية، تتقاسمها السلطات، والشرطة، والجمعيات المدنية، وكل من له دور ميداني في التوعية والتدخل.
وتطرقت المصرحة لهسبريس إلى حالة شاطئ “الصابلات” في المحمدية، الذي لا تتجاوز مساحته كيلومترين، لكنه يستقبل مئات الآلاف من الزوار، ما يجعل من المستحيل عمليا ضبط الوضع. وتساءلت عن مدى خضوع عناصر المراقبة لتكوينات خاصة قبل موسم الصيف، مشيرة إلى أن بعضهم يأخذ عطلته خلال هذه الفترة الحرجة، مما يُعمّق المعضلة.
وأشارت احمايتي إلى أن الخسائر البشرية التي تسجل في كل موسم يجب أن تدفع إلى إعادة النظر في مراقبة الشواطئ غير الصالحة للسباحة، لا سيما تلك التي تعرف تلوثا كبيرا، مؤكدة أنه رغم إعلان هذه الخسائر في تقارير الوزارة المختصة، إلا أن المواطن لا يعيرها اهتماما، ما يتطلب إعمال القانون بصرامة في وجه المخالفين.
في المحصلة، يظل موسم الصيف اختبارا حقيقيا لقدرة الدولة والمجتمع على حماية الأرواح في فضاءات الترفيه البحري. وبينما تتقاطع المسؤوليات بين المواطن والسلطة، تبقى النجاعة رهينة بإرادة جماعية للتغيير والصرامة في تطبيق القانون حتى لا يتحول البحر من فضاء للحياة إلى مصيدة للموت الموسمي.
المصدر: هسبريس