التدبير الأمثل لمراقبة المالية العمومية يظل “مسؤولية مشتركة” ويحتاج “مقروئية ضرورية”؛ التأكيد هنا على لسان فوزي لقجع، الوزير المنتدب لدى وزيرة الاقتصاد والمالية المكلف بالميزانية، مشددا على أن “البرلمان يجب أن يُواكَب بخبرة علمية وازنة في كل مراحل النقاش المتعلقة بالمالية العمومية، من أجل تحقيق توازن فعلي بين السلطتيْن التنفيذية والتشريعية، والاستجابة لمطلب متكرر من البرلمانيين بشأن إشراكهم بشكل مبكر وفعّال في مسار إعداد السياسات المالية”.
وقال لقجع، متحدثا مساء اليوم الأربعاء خلال يوم دراسي من تنظيم لجنة مراقبة المالية العامة والحكامة بمجلس النواب، بشراكة مع الوزارة المنتدبة المكلفة بالميزانية والمجلس الأعلى للحسابات، حول موضوع “قانون التصفية وسؤال الشفافية والمحاسبة”، إن “الإصلاح المرتقب وَضْعُه خلال أكتوبر القادم بالبرلمان من خلال تعديل ومراجعة القانون التنظيمي لقانون المالية (LOF) سيُدمج هذا المعطى إلى جانب أهمية تقليص الآجال بين مشاريع قانون المالية وقوانين التصفية لضمان تدابير أكثر نجاعة وشفافية للمالية العامة”.
وأكد المتحدث، بحضور رئيس اللجنة النيابية وأساتذة وباحثين، أن “مراقبة المالية العمومية تمثل ركيزة محورية في تدبير الشأن المالي للدولة”، مبرزا “أهمية القانون التنظيمي الذي يُؤطِّر قوانين التصفية، والذي يحتاج إلى قراءة معمقة وإصلاح منهجي”، بحسبه.
معرّجاً على تعزيز “إشراك البرلمان في مسلسل إعداد قوانين المالية”، أوضح الوزير المنتدب المكلف بالميزانية أن إعداد مشروع قانون المالية يتم عبر مجهود جماعي لأكثر من 18 ألف موظف للوزارة الوصية موزعين على إدارات وزارة الاقتصاد والمالية، وهو مسار ينطلق من شهر مارس ويستمر إلى 20 أكتوبر، تاريخ وضع المشروع بمجلس النواب. ومع ذلك، يبقى البرلمان بعيدًا عن المراحل التمهيدية، مثل إعداد الرسالة التأطيرية والتوجهات العامة”.
واقترح المسؤول الحكومي أن “يتم إحداث محطات تشاركية خلال مراحل الإعداد الأساسية، ما سيمكن المؤسسة التشريعية من التوفر على قراءة أكثر موضوعية للمالية العمومية، ويُغني النقاش البرلماني.
“علاقة هيكلية”
في كلمته، أشار لقجع إلى أن قانون التصفية هو “بمثابة تنفيذ فعلي لقانون المالية، حيث يُناقش بعد سنتين من التنفيذ؛ ما يفرض أن تكون العلاقة بين القانونيْن علاقة هيكلية ومندمجة”، بتوصيفه.
كما أشار إلى ضرورة تقليص الهوّة الزمنية بين تنفيذ قانون المالية وتقديم قانون التصفية، خاصة بعد أن كان يُقدَّم أحيانًا بتأخر وصل إلى 7 أو 8 سنوات. وأكد أن “تقديم مشروع قانون التصفية بالبرلمان في شهر فبراير هذه السنة شكّل تقدمًا مهمًّا، مصحوبًا بمواد تفسيرية ومذكرات تقديم غنيّة بالمعطيات والبيانات”.
وبيّن أن ما يُنجَز من تقارير سنوية (14 تقريرًا تصاحب مشروع قانون المالية، و5 تقارير لمشاريع قوانين التصفية) “لا بد أن يُوجَّه نحو مزيد من التركيب والتركيز على الأمور الجوهرية، بما يضمن تفعيل الرقابة والمساءلة، خصوصا فيما يتعلق بما تحقق وما لم يتحقق من التزامات الحكومة”.
في السياق ذاته، أعلن لقجع أن “إصلاح القانون التنظيمي للمالية سينطلق في شهر أكتوبر المقبل، وسيتم وضعه في المسار التشريعي، بهدف تحقيق مزيد من الشفافية والفعالية في تدبير المالية العمومية”.
مراجعة القانون التنظيمي للمالية
وتوقف وزير الميزانية عند عدد من النقاط التي “تتطلب مراجعة”، أبرزها “هيكلة زمنية منقحة لمراحل مناقشة مشروع قانون المالية داخل البرلمان”، معلقا: “70 يومًا قد تبدو كافية، لكن توزيعها يحتاج إعادة نظر”.
كما نادى بـ”فتح المجال وإتاحة الهامش أمام آلية القانون المالي التعديلي كأداة للشفافية والتفاعل مع المستجدات، بدل حصره في الحالات الاستثنائية فقط (كما حدث خلال جائحة كوفيد سنة 2020)”، مثيرا في هذا السياق “ضرورة رفع جودة المناقشات العامة والاستفادة من جلسات تمتد إلى 30 أو 40 ساعة عبر إدماج خبرات علمية وخبرات مالية محايدة”.
ولم يغب عن “المسؤول الميزانياتي” الأول بالمملكة الحديث أمام الحاضرين عن “الرقابة المؤسساتية ومقاربة النتائج”، قائلا: “الدولة اختارت عن وعي أن تُخضع نفسها ليس فقط للمحاسبة الاعتيادية، بل أيضا للمحاسبة العامة متمّ كل سنة مالية، وهو ما يتطلب خبرات إضافية لمواكبة إعداد الحسابات العامة للميزانية والمصادقة عليها”.
ونوّه بمجهودات المجلس الأعلى للحسابات ومفتشية المالية كـ”ركيزتين أساسيتين في الرقابة المالية وتجويد المسار الديمقراطي وشفافية التدبير”، داعيا إلى “دعم هذا التوجه في إطار بناء الثقة وتعزيز الحكامة”.
جدير بالتذكير أن مجلس النواب كان قد صادق في جلسة تشريعية، أمس الثلاثاء، بالأغلبية، على مشروع قانون التصفية رقم 07.25 المتعلق بتنفيذ قانون المالية للسنة المالية 2023، وذلك بـ”موافقة 82 نائبا بينما عارضه 31 نائبا، دون أي امتناع”.
يشار إلى أن اليوم الدراسي ذاته سعى إلى فتح نقاش عمومي يساهم فيه الخبراء والجامعيون في إطار انفتاح لجنة المالية العامة على الوسط الأكاديمي؛ ما تجسد من خلال مداخلة حول “منهجية تحليل قانون التصفية: بين منطق المحاسبة العمومية ومنطق القراءة السياسية”، ألقاها الدكتور حسن العرفي، أستاذ التعليم العالي بجامعة محمد الخامس بالرباط خبير المالية العمومية. فيما كان المجلس الأعلى للحسابات ممثلا برئيس الغرفة الثانية المكلفة بالقطاعات المالية، ياسين الناصري بنصغير، الذي تحدث عن “تقرير مجلس الأعلى للحسابات حول تنفيذ قانون المالية: إطار ومنهجية إعداده وأهدافه”.
المصدر: هسبريس