د منال جنبلان

 

وزير الصحة والشعر ..وجنازة البحر

د. منال جنبلان

فيما تباينت ردود الأفعال تجاه تعيين البروفيسور المعز عمر بخيت وزيراً للصحة ، تساءل الكثيرون، من حسني النوايا عن إمكانية إنقاذ القطاع الصحي مما حاق به إثر حرب 15 أبريل الكارثية، إذ يبدو من الجلي أن القادم حديثاً للانضمام للطغمة الحاكمة، التي طالما أوسعها نقداً بأشعاره، سيواجه بسؤال الموقف الوطني والإنساني من الحرب، وضرورة وقفها الفوري، دون قيد أو شرط ، الذي يبدو أنه اغفله أو نساه ، ولم يجعله في صدارة شروطه، لقبول المنصب، وفي مقدمة برنامجه الوزاري. رغم أن ذلك، لن يعفه من تحمل نصيبه من المسؤولية، كداعم للحرب والنظام الانقلابي، الفاقد للشرعية . وفي مواجهة الحملة التي ابتدرها خصومه، لكشف ماضيه الإخواني ، وأشعاره، التي تفتقر للمصداقية، في ظل التقلب الحادث في موقفه السياسي، حد الاندماج في التحالف الانقلابي الإخواني المتسلط على البلاد، يحاول فلول النظام المباد الإيحاء بأنه يملك عصا موسى، لصرف الانتباه، عن الفشل الذي ينتظره ، بدلالة فشل حكومة الأمر الواقع كلها، وفي كل المجالات والجبهات. وفي ضوء هذه الحملات والحملات المضادة، من المفيد تناول فرص الوزير ، في إعادة الحياة لوزارة الصحة، والخدمات الصحية والعلاجية. لكن ماذا ينتظر من وزير في بلاد ترزح تحت نيران الحرب لما يزيد عن أكثر من عامين، ماذا يرجى من وزارة الصحة التي أصبحت بلا صحة ، وتحتاج لإنعاش سريع.
الحرب اللعينة أصبحت كارثية على العباد والبلاد بكل قطاعاتها المختلفة، وفي مقدمتها القطاع الصحي. وكانت قد أعلنت منظمة أطباء بلا حدود، مطلع هذا الأسبوع أن 75٪ من المؤسسات الصحية في البلاد مغلقة أو بالكاد تعمل. وتلزم الوزارة،التي لم تكن تحظى إلا بالفتات من الميزانيات السنوية، أموال ضخمة لتعود إلى العمل، عبر خطة قومية لإعادة إعمار ما خربته الحرب. وتوفير المعدات والأجهزة والأدوية . والأهم هو توفير الكادر الطبي الإنسان الموزع بين قوافل الشهداء والنازحين والمخفيين قسرياً واللاجئين، وتوفير الحياة الطبيعية في كل مكان، وتوفير الأمان ، بعد أن ظلت المستشفيات في شرق النيل وشرق الخرطوم، تقصف بالطائرات ، كما يقصف مستشفى المعمداني في قطاع غزة.

الخدمات الأساسية تعاني بنية تحتية منهارة لا حياة فيها، فالتيار الكهربائي تصل قطوعاته في بعض الولايات إلى شهور لم تنر فيها إضاءة، مياه الشرب اختلطت بمياه الصرف الصحي مخلفة أعداداً من الوفيات وتفشت الأمراض وسط بيئة منهارة لا تصلح للحياة.إعادة تعمير البنى التحتية للقطاع الصحي تعتبر أولى المعارك التي يجب خوضها، وخوض أم المعارك من أجل توفير ماتستحق من مال. ولن يتأتى ذلك إلا بوقف الحرب ووقف الصرف البذخي على الحرب وعلى المليشيات.
قبل الحرب تميزت سياسة الدولة بالتجاهل المتعمد لأي زيادة في الصرف على ميزانية القطاع الصحي، حيث لم تتعد 7٪ من الميزانية، بينما استأثر الصرف على الأمن والدفاع على ما يقارب ال 75٪ ،من ميزانية الدولة، فإذا كان الوضع كذلك قبل الحرب فهل يتوقع زيادة ميزانية الصحة والبلاد ترزح تحت الحرب؟ وهل من الممكن والمأمول إحداث بعض التغيير دون ميزانية “محترمة بت ناس” توجه للقطاع الصحي؟
لقد ظل وضع القطاع الصحي قبل الحرب وطوال عهد الإنقاذ المشؤوم بالغ السوء، مما دفع الأطباء للثورة عليه، فعمدوا إلى تنظيم الإضرابات في محاولة لإنقاذ هذا القطاع الحيوي من الموت البطيء، الذي كان يحدث فيه، والإهمال الذي وصل حد المجازفة بالأرواح، حيث المستشفيات تفتقر لأبسط معينات العمل، والكوادر الطبية تتعرض للتعدي المادي والمعنوي من قبل المواطنين الغاضبين، لأن الدولة لا توفر للطبيب معينات عمله!
كما أن الوضع المزري للكوادر الطبية في التعيين والتدريب دفع بمعظمهم للهجرة باحثاً عن”رزق” لم يجدوه في بلدهم .
أما مشاكل الأدوية وشركات الأدوية فهذه قصة يحدث فيها ال”حدث بلا حرج”، مافيا الدواء ودولار الدواء ودهاليز الدواء!!
ترى هل يمكن لشركات الأدوية الوطنية العودة للانتاج ، وتغطية السوق المحلي وسط حرب ضروس، يتم فيها قصف مصانع الأدوية؟ وتنهب فيها الصيدليات، وتهدد حياة العاملين في المستشفيات، والمراكز الصحية ؟ هل يمكن لشركات أجنبية مستثمرة، بدء خط انتاج جديد ،وسط ذات القصف، المدفعي والجوي، والنهب المسلح ،وفي بلد يعاني من انهيار اقتصادي وأمني ؟
قد يعلق الوزير الجديد، فشله المحتوم لافتقاره لعصا موسى، في حين أن من سبقه استلمها جنازة بحر.
فليعلم إن لم يكن يعلم، أن عصا موسى هي وقف الحرب فوراً، وبغير شروط مسبقة!!

المصدر: صحيفة التغيير

شاركها.