عبدالله رزق أبو سيمازه

تنتمي رواية ( البتراء )  إلى ما يمكن تسميته بأدب ثورة ديسمبر ٢٠١٨ ، لكن قد ينهض احتجاج ، بما مفاده أن الوقت لازال باكرا ، لتمثل هذه الثورة ، التي لا تزال تعتمل في الصدور ، في شكل ما من الأدب ، خاصة الرواية . غير أن صلاحا ، القويضي ، يلوح بهذا المستند ، بادعاء أوان الاوان . للأستاذ صلاح القويضي ، رؤية بشأن الثورة ، وشبابيتها ،على نحو خاص ، ظل يدافع عنها بعناد وتصميم ، لابد أن تجد التعبير عنها في الرواية ، بتمجيد شبابها ، وشهدائها ، وبما يمكن أن يحيل الرواية ، نفسها ، مفردة من مفردات الثورة : ترسا ، فعلا  ، اوعيا …

وقد استهدف المؤلف بنيانا غير تقليدي بروايته الاولى ، بإضفاء الكثير من الواقعية ، على  تفاصيلها ، من أمكنة وأشخاص واحداث . ويلاحظ ، منذ البدء ، تناوب عدة رواة ، بمن فيهم المؤلف نفسه ، على سرد  وقائعها : نجمة ، بطلة الرواية ، فادية صديقتها ، عادل  حبيبها ، زهراء امها ، عادل الوان ، التشكيلي الصحفي ، …الخ.

ومع أن للكاتب خبرة في التعامل مع الشعر : كتابة  وترجمة ونقدا ، الا أنه تفادى ، بشكل ملحوظ ، استحضار اللغة الشعرية ، في متن الرواية ، كأداة للسرد .

مؤلف الرواية صلاح القويضي

ترصد الرواية ، تطور حياة  ” نجمة ”  ، على خلفية من الأحداث الدموية الكبرى ، التي شغلت قرابة العقدين من عمر البلاد ، بدء من حرب التورابورا والجنجويد ، في دارفور، حيث فقدت ، في سياقها ، على أطراف معسكر كلمه للنازحين ، كفها وعذريتها ، معا ، مرورا ، بفض اعتصام القيادة العامة للقوات المسلحة ، شرقي الخرطوم  ، حتى ( حرب الجنرالات مع دعمهم السريع جنجويدهم السابق الذي اسسوه  ودربوه وسلحوه  ومكنوه في الارض ، ليعينهم في حرب دارفور وكردفان ، فانقلب عليهم . ص ٥٦(  ، والتي اشتعلت في العاصمة ، قبل أن تعم أقاليم البلاد الاخرى .

يشكل حضور “نجمة “، حفيدة السلطان سليمان صولون ، سليل النبي سليمان بن النبي داود ، في ساحة الاعتصام ، ليس مجرد  حضور للتاريخ ، أو للماضي القريب ، حسب ، وانما حضور الراهن الدارفوري ، الغارق في الدم المسفوك ، ودالة حضور المستقبل ، الموعود بالدم ، ايضا ، وشكل نبوءته . تتردد “البتراء”، وهي ترسم عالمها الخاص ، بين الواقعي وفوق الواقعي ، وبين الحقيقي والمتخيل ، ومن ثم لا تخلو الرواية وان اقتربت من واقعية يوسف القعيد من مس من الواقعية السحرية .

لنجمة البتراء حياتان : حياة قبل تفعيل الاسورة السحرية ، وهي تشغل الفصول الأولى من الرواية ، وثانية ، بعدها ، تختزل فصل الختام ، منذ تفعيل القوى الخارقة  الكامنة ، في الاسورة . ومن ثم يمكن تمييز نوعين من أحداث الرواية .  ما حدث بالفعل ، وهو الواقعي من الأحداث . وما لم يحدث ، بعد ، المرتجى ، وهو ليس تطورا في سياق التسلسل المنطقي للوقائع ، بقدر ما هو انعطاف ، وهو غير الواقعي ، الذروة المؤجلة  ، حتى الآن .

تبدو غامضة ،  تلك الذروة المرتجاة ، وغائمة ، بين الصحوة والغفوة ، وبين الحلم واليقظة ، حيث ينتظر ان تقوم ” نجمة ” ، كأحدى  حفيدات الملك سليمان ،  بفك الطلاسم ، المكتوبة  بلغة الجن ، على اسورتها ، وقراءة التعويذة عليها ، لتنشيط  قدرات الاسطورة الخارقة الكامنة ، لتكون أداة حمايتها ، ولتصبح ، هي ، كنداكة في بلدها (ص ٥٦)، وفق ما أفادت به عرافة غجرية ، اطلعت على خفايا الاسورة ، التي تتزين بها . لكنها ، قبيل الانتصار للأسطورة  ، خلال طقس تفعيل قدراتها ، تنسرب ، نجمة وامها ، في ” حلم جميل ” ، كما عاشه المؤلف ، حيث ( يحل الجيل الجديد الراكب الرأس ، محل القادة الذين  ساروا بالبلاد من فشل إلى فشل ، منذ خروج المستعمر ص ١٦١ )، وذلك قبل أن يصحو ( مذعورا  على صوت انفجار مروع بقذيفة ضخمة  ص ١٦٦) .

تقترب ” البتراء ” من أن تكون رؤية  ، او إطارا للخلاص الذي تكونه ، أو تكون مرموزه ، وفق نبوءة العرافة الغجرية . غير ان الرواية ، وهي تبلغ في الحلم ختامها ، تكف عن ملاحقة مصائر بقية  شخوصها ، ومنهم ، “عادل الوان” ، و”فادية ” صديقة نجمة ، والاهم ، انها تغفل مصير “الفاضل” ، ولد  “نجمة ” ، الذي ثأر لوالدته ، وحقق لها ، ولأسرتها  ما كانت ترجوه من انتقام  ، بان قتل أباه ، القائد الجنجويدي  حماد الاشيقر ، حماد  الأعرج سابقا ، دون أن يعرف حقيقته  ، في اكثر الأحداث تراجيدية ، بعد اغتصاب نجمة وبتر كفها .

المصدر: صحيفة التغيير

شاركها.